النمو في النضج المسيحي
يُعَدّ النمو في النضج المسيحي هدفاً أساسياً في حياة المؤمن. وغالباً ما يُركَّز في شرح الأصحاح الثالث من رسالة تيموثاوس الأولى على أنّه يقدّم شروط القسوس، غير أنّ فهم سياق الرسالة يساعدنا على إدراك السبب الذي دعا الرسول بولس إلى منح تيموثاوس هذه التوصيات. فقد كان معظم قادة كنيسة أفسس في ذلك الوقت قد حادوا عن الطريق، فأرسل بولس تيموثاوس ليعالج تلك الانحرافات.
ولأجل أن يختار تيموثاوس قادة جدد للكنيسة، أعطاه بولس قائمة من الصفات التي تميّز النضج المسيحي. وبذلك لم يكن يُسمح لتيموثاوس أن ينتقي إلا رجالاً ناضجين روحياً. وهذه القائمة إذن تُظهِر لنا كيف يفهم بولس الرسول النضج الروحي. ورغم أنّ ليس جميعنا سيصبح قسّاً أو شماساً، إلا أنّ كل مسيحي مدعوّ لأن يسعى إلى النمو في نضجه الروحي.
وفيما يلي ثلاثة أمور يعلّمنا إياها هذا الأصحاح عن ملامح النضج المسيحي وكيفية النمو فيه:
١. النضج أمر ظاهر
جميع الصفات التي ذكرها بولس لتيموثاوس في اختيار القادة هي صفات يمكن ملاحظتها عملياً، لا قدرات خفية في القلب. فنحن لا نستطيع كبشر أن نعرف نقاوة قلب إنسان، لكن يمكننا أن نرى أنماطاً من السلوك تدل على قلب نقي.
وقد سمعت يوماً في صف عضوية بالكنيسة قديماً، حين كان الراعي يعلّم عن النضج المسيحي، فسألته: كيف يمكن للإنسان أن يعرف إن كان ينمو؟ ألن يكون ذلك بمثابة تقييم ذاتي سهل التلاعب به؟ فأجابني بحكمة: إذا كان المؤمن ينمو، فإن المحيطين به سيشهدون بذلك. وهذا ما نصح به بولس تيموثاوس نفسه لاحقاً: «اهتمّ بهذا، كن فيه، لكي يكون تقدّمك ظاهراً في كل شيء» (١ تيموثاوس ٤:١٥). فإن نما تيموثاوس، لاحظه المؤمنون في أفسس. وهكذا إن كنا نحن ننمو، فسيشهد من حولنا بذلك.
فهل ينطبق هذا عليك؟ لو سألت مَن يعيشون معك – زوجتك، أولادك، إخوتك في الكنيسة، زملاء عملك – هل سيقولون إنّ فيك عبيراً متزايداً من شبه المسيح؟ إنّ أحد أسباب وجودنا في جماعة هو أن نحصل على تغذية راجعة مستمرة لمسيرتنا المسيحية.
٢. النضج رحلة مستمرة
يقول بولس في (١ تيموثاوس ٣:٦) إنّ القائد في الكنيسة لا ينبغي أن يكون حديث الإيمان، لئلا يتكبّر. فالمؤمن الجديد لم يُمتحن بعد في إيمانه، ولم تُختبَر أمانته عبر الزمن. لذلك قال بولس إنّ الذين يخدمون حسناً ينالون كرامة عظيمة (١ تيموثاوس ٣:١٣).
إنّ اختبار الإيمان عبر ظروف الحياة هو ما ينمّي نضجنا. والله هو من يدبّر تلك الظروف، ولكل تجربة يرسلها هدف، وهو أن نواصل النمو.
لكن السؤال: ماذا نفعل نحن مع تلك التجارب؟ كثيراً ما تُظهر ضعفي وقلة نضجي بدلاً من تقدمي. لكن الخبر السار أنّ الله، ما دمنا أحياء، يظلّ يمدّنا بفرص للنمو، ويجب علينا أن ننسى إخفاقات الماضي ونمضي قدماً في رحلة النضوج.
٣. النضج محوره المسيح
العبارة «بلا لوم» في (١ تيموثاوس ٣:٢) تختصر معنى النضج المسيحي. أي أن يكون الإنسان بحيث لا يُشتبه فيه بسوء أو فساد. وهذا يذكّرنا بتحدي المسيح العلني لأعدائه: «من منكم يبكتني على خطية؟» (يوحنا ٨:٤٦).
إذن فالنضج المسيحي هو أن نزداد شبهاً بالمسيح يوماً بعد يوم. والمقياس الوحيد هو شخص المسيح نفسه. صحيح أننا لن نبلغ الكمال، لكننا مطالبون أن نرفع أنظارنا إليه ونجتهد لنكون أكثر مثله.
ويختم بولس الأصحاح قائلاً لتيموثاوس: «هذا أكتبه إليك… لكي تعلم كيف يجب أن تتصرّف في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي» (١ تيموثاوس ٣:١٤-١٥). وبما أنّ الكنيسة هي بيت الله، فإن سلوك أعضائها إمّا أن يجمّل صورة المسيح في العالم أو يشوّهها.
الخاتمة
افتتح بولس هذا الأصحاح بالقول: «إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملاً صالحاً»، فإنّ الرغبة في خدمة الله في منصب كنسي شرف عظيم. وبالمثل، فإنّ الرغبة في النمو في النضج الروحي لتكون مؤهلاً لمثل هذه الخدمة هي رغبة نبيلة.
والحقيقة أنّ نضجك لن يتجاوز أبداً مقدار شوقك للنضج. عليك أن تطلب من الله أن يزرع في قلبك رغبة في القداسة، ثم تبدأ السير في طريق المسيح. ستكون هناك قمم ووديان، لكن بالصبر وبنعمة الله سيصبح تقدّمك في النضج واضحاً لنفسك، ولمجتمعك، وقبل كل شيء لله.