استجابة لإحدى التصريحات الإعلامية ومخاطر “مخافة الله الممزوجة بالأوثان”
مؤخرًا سمعتُ شخصية إعلامية تقول:
“يا الله، لقد صنعتَ هذا الأمر. لقد غيّرت حياتي تمامًا. فتحتَ بابًا لا يستطيع أحد أن يغلقه. جعلت كل شيء جميلًا في وقته، وهذا كامل تمامًا… أنت حقًا إله الزمان والفرص. اسمعوا، الله لا يتأخر أبدًا، والله جدير بالثقة.”
أحسب أن هذه الكلمات تعبّر عن قناعة عميقة لديها بأن حملها – وإن جاء خارج إطار الزواج، وبذلك مخالفًا لتصميم الله – يُعدّ مع ذلك بركة إلهية. وربما صلّت كثيرًا، بل وصامت في تلك الفترة، ومن هنا يمكن أن يتولّد شعور قوي لديها ولدى غيرها بأن هذه هي المسيحية الحقّة: أن النعم والخيرات تأتي من الله لمن يرضيه، وبالتالي لا مجال للانتقاد.
كثيرون يفكرون بهذه الطريقة: إن كان لي ضيق أو مشكلة، ولجأتُ إلى الله فاستجاب، فلا بد أنني مرضيّ عنده وصادق في طلبي، وإلا فلماذا يعطيني ما سألت؟ ومن ثم، تُواجَه أيّ محاولة للنقد بالرفض والاتهام. بل إن النظرة السائدة أحيانًا هي: “طالما أنني أعطي الله حقه في جانب من حياتي، فهو في الغالب غير معني بما أفعله في الجوانب الأخرى.”
لكن هنا يكمن خطأ جوهري في الفهم: الله لم يدعُنا لنمزج محبته مع أهوائنا، ولا ليكون مجرد وسيلة لتحقيق رغباتنا، بل لنحبه ونخدمه بكل القلب. وهذا ما يكشفه التاريخ المدوَّن في سفر الملوك الثاني (17:24–41)، حيث نجد درسًا بليغًا عن خطورة “مخافة الله المزيفة”.
درس من التاريخ: الخوف من الله أم الخوف من الأسود؟
بعد أن طُردت مملكة إسرائيل الشمالية بسبب خطاياها – عبادة الأوثان، العصيان، الشرور الخفية، وحتى تقديم الأولاد ذبائح – سمح الله للأشوريين أن يجلوا شعبًا جديدًا إلى الأرض. لكن هؤلاء لم يطلبوا الرب من أجل عبادته ومحبته، بل لمجرد التخلص من الأسود التي أرسلها الله عليهم (ع 25).
طلبوا معلمًا يُعرّفهم “شريعة إله الأرض”، فجاء كاهن وعلّمهم شيئًا من العبادة. وعندما اختفت الأسود شعروا أن الأمر نجح. لكن الكتاب يكشف: “كانوا يخافون الرب ويعملون لأنفسهم آلهة.” (ع 29). أي أنهم أضافوا الرب إلى قائمة آلهتهم، ولم يتركوا أوثانهم.
أليس هذا ما نراه اليوم؟ كثيرون يعلنون مخافة الله، لكنهم في الحقيقة يمزجونها بمطامع العالم. نملأ الكنائس كل أحد، لكن الدافع في الغالب هو نيل البركات: مال، عقود، بيوت، سيارات. تُقدَّم العطايا كاستثمارات بانتظار أرباح. السياسيون الفاسدون يصعدون المنابر ويتلون آيات، فنصفق لهم وندعوهم “أتقياء”.
بل نحن أسرع الناس إلى تبرير المشاهير الذين يخالفون وصايا الله علنًا، فقط لأنهم يضيفون اسم “الله” إلى كلامهم أو يضعون آية في ملفهم الشخصي على وسائل التواصل. إنّه إيمان “مخلوط” – فيه صبغة دينية، لكنه في الجوهر عبادة أوثان.
المسيحية المزيفة: “أُضيف الله إلى حياتي”
هذه هي الخطورة: أن يتحوّل الله إلى مجرد إضافة في حياتنا، لا السيد الذي نُخضع له كل شيء.
-
نُصلي فقط عند الحاجة.
-
نقرأ الكتاب المقدس نادرًا.
-
نُجيد الغناء أكثر مما نحفظ كلمة الله.
-
نهتم بمظهرنا الخارجي ونُهمل أرواحنا.
-
لا نغيب عن عروض الترفيه، لكن نتهاون في التأمل والصلاة.
إنها “مسيحية” شعبية، لكنها ليست مسيحية الكتاب المقدس.
المسيحية الحقيقية: عبادة الله وحده
الكتاب يعلن بوضوح (2 مل 17:36–39):
“الرب الذي أخرجكم بيد قوية وذراع ممدودة، إياه تخافون، وإياه تسجدون، وله تذبحون. الفرائض والأحكام والشريعة والوصية التي كتبها لكم، تحفظون لتعملوا بها كل الأيام. ولا تخافوا آلهة أخرى. بل الرب إلهكم تخافون، وهو ينقذكم من جميع أعدائكم.”
لاحظ: من جميع أعدائكم – ليس فقط من الأسود، بل من الخطية، والذنب، والعار، والفساد، والموت ذاته (1 كو 15:26).
خاتمة ودعوة
أيها القارئ، المسيحية التي تُبنى على طلب البركة فقط هي تمرد مقنّع. هي استخدام لله وسيلةً لأهدافنا. هي عبادة مزدوجة – “الله زائد أوثان”.
أما المسيحية الحقيقية، فهي أن تجد في المسيح الكنز المخفي واللؤلؤة كثيرة الثمن، فتبيع كل شيء لأجله. هي أن تحبه وتخدمه وتخشاه من كل القلب والنفس والفكر والقوة.
فهل تسمع الدعوة؟
“أيها العطاش جميعًا، هلمّوا إلى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا… استمعوا لي فتأكلوا الطيب، ولتتلذذ نفوسكم بالدسم. أملوا آذانكم وهلموا إليّ. اسمعوا فتحيا نفوسكم.” (إشعياء 55:1–3).