ماذا نغني للرب؟

الشكر في ضوء الإنجيل

عندما يكبر الطفل في هذه المنطقة من العالم، فإنّ أوّل ما يعلّمه والداه هو قول “شكراً” عند كل هدية أو خدمة تُقدَّم له. فإذا قدّم أحد أفراد العائلة له قميصاً مثلاً، يسأله والداه: “ماذا تقول؟” وإذا لم يعرف، يعلّمانه قائلين: “قل شكراً”. وهكذا يتعلّم الطفل الامتنان لما يُعطى له. إنّ الامتنان أمر متجذّر بعمق في ثقافتنا.

وليس غريباً إذاً أن يكون الشكر ركناً أساسياً في التدين، لا سيما في الأوساط المسيحية، حيث نجد خدمات عبادة خاصة تُسمّى “عبادة الشكر” في معظم الكنائس. والشكر أمر صالح (مزمور ٩٢:١)، غير أنّي وجدت أنّ بعض ترانيم الشكر التي نرددها تكشف عن قصور في فهم الإنجيل، وعن جهل بمدى عمق تغييره لحياتنا ونظرتنا للعالم، بما في ذلك طريقتنا في تقديم الشكر.

كنت في بيت أحد الأصدقاء منذ مدة قصيرة حين سمعت ترنيمة تُغنّى في كنيسة مجاورة تقول: “اشكر الله لأنك في الكنيسة ولست في المشرحة”. كان لي تحفظ على هذه الكلمات. لا تفهمني خطأ، نعم يجب أن نشكر الله على عطية الحياة، ولكن لا يجوز لنا كمسيحيين أن نجعل شكرنا مبنياً على أنّنا في حال أفضل أحياءً من أموات.


كيف أعرف ذلك؟

أعرف ذلك لأنّ الكتاب المقدس يقول: «نُسْتَحْضَرُ مِنَ الْجَسَدِ فَنَسْتَوْطِنُ عِنْدَ الرَّبِّ» (٢ كورنثوس ٥:٨)، وهذه هي حقيقة الموت للمؤمن. فلماذا نظنّ أنّنا أفضل حالاً لأننا أحياء، فيما الحضور مع الرب خير بما لا يُقاس؟ إنّ هذا تفكير دنيوي قصير النظر، يظن أنّ هذا العالم أفضل من حضرة الرب.


نفاق ظاهر

أرى في ذلك نفاقاً، لأنّه عند كل خبر وفاة أو في كل جنازة نسمع العبارة الشائعة: «الحياة باطلة». وهذا ما جعل الجامعة يقول: «الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة» (جامعة ٧:٢) إذ يُدرك الإنسان حقيقة الحياة عند مواجهة الموت والخسارة. لكنّ هؤلاء أنفسهم الذين يعلنون بأفواههم أنّ الحياة باطلة، يخافون مغادرة هذا العالم إلى المدينة السماوية الموعودة.


ترنيمة أخرى

هناك أيضاً ترنيمة شعبية معروفة تُغنّى بروح مماثلة، وسأذكر كلماتها مترجمة إلى الإنجليزية:

إن لم أشكر، فأنا جاحد.
كثير من رفاقي قد ماتوا، كثيرون قد رحلوا، كثيرون في السجون، كثيرون متسوّلون.
إن لم أشكر، فأنا جاحد.

هذه الترنيمة تفعل الشيء نفسه: تحاول إثارة الشكر من خلال مقارنة دنيوية بمدى حظنا مقارنة برفاقنا الأموات أو المسجونين أو الفقراء. لكن هذا يناقض فكر الإنجيل.


الموت أفضل من الحياة للمسيحي

ذكرت سابقاً أنّ الموت للمؤمن ليس شراً بل هو ربح (فيلبي ١:٢١)، لأنّه يعني أن نكون مع الرب، وأي خير أعظم من ذلك؟ لا شيء.


ماذا عن المسجونين؟

إن كان رفاقي في السجن مؤمنين بالمسيح، فلست أفضل منهم، لأنّ المعيار الوحيد هو الأبدية. نحن على نفس المستوى، لأنّ الإنجيل هو المساوي الأعظم. بل إنّ كثيرين سُجنوا لأجل إيمانهم، والرب نفسه قال: «طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متى ٥:١٠). والرسل أنفسهم ذاقوا السجن فكانوا من أكثر الناس بركة.


ماذا عن المتسوّلين؟

الأمر نفسه ينطبق على المتسوّلين. إن تابوا وآمنوا بالمسيح رباً ومخلّصاً، فلن يكون أحد أفضل منهم، لأنّ لا أحد أسمى من إنسان في المسيح. تذكّر لعازر الفقير الذي كان متسوّلاً على الأرض، لكنه عند موته حُمل إلى حضن إبراهيم، فيما الغني الهانئ على الأرض انتهى في الجحيم (لوقا ١٦:٢٠-٣١). المغزى هنا أنّ الإنجيل أعظم من كل شيء.


كيف يجب أن نفكر كمسيحيين؟

من الواضح أنّني لست من محبّي تلك الأغاني والعبارات، فهي تُعيقنا عن التفكير كما يشاء الله لنا. نحن لا ينبغي أن نقيس أنفسنا بالمظاهر أو الظروف الخارجية (يعقوب ٢:١-٤). الإنجيل يغيّر عقولنا فيجعل معيار المقارنة روحياً لا جسدياً.

فلنشكر الله على الحياة كعطية مجانية، لا لأننا “أفضل” من الآخرين. ولنشكره على الإنجيل الذي هو أعظم عطية (أفسس ٢:٨). فامتناننا لا يجب أن يتقلب بتقلب الظروف، بل أن يكون ثابتاً لأنه مبني على الإله الحكيم الذي يمنح كل عطية صالحة (يعقوب ١:١٧).


خاتمة

يبدو لي أنّ “الكنيسة النيجيرية” – إن صحّ التعبير – تحتاج أن تعود إلى الإنجيل وتتشبّع به، لئلا نظن أننا أفضل من غيرنا بحسب المكانة الاجتماعية.

ورجائي لك أيها القارئ العزيز أن تبدأ بالتفكير في الحالة الروحية قبل الجسدية، لأنّ الغنى أو الفقر في هذا العالم لن يهم في النهاية، بل الإيمان بالابن الوحيد، يسوع المسيح، رباً ومخلّصاً.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top