رسالة محبة وغيرة مقدسة
إن ملاحظتي لك، وما دار بيننا من أحاديث في آخر لقاء لنا، دفعتني إلى أن أكتب لك هذه الرسالة. وقبل أن أمضي، يلزمني أن أوضح لك أنّ مقصدي ليس أن أكون متحاملًا عليك أو قاسيًا في الحكم، بل إنّ الدافع هو المحبة التي أكنها لك، والخوف والحزن اللذان يملآن قلبي بسبب جهلك بهذه الحقائق. وأنت، بما أنك تعلن إيمانك بالمسيح، ينبغي أن تعلم ما يلي:
العبادة المسيحية مختلفة عن سائر الأديان
في عبادة الأوثان يحتاج الإنسان إلى تميمة تبيّن تحت أي حماية هو يعيش، أمّا في المسيحية فالأمر ليس كذلك. لست بحاجة إلى أي رمز مادي تمسكه أو تبرزه لتثبت أنك لله (تثنية 4: 15-16). لا تحتاج إلى زيت الزيتون، أو “ماء مقدس”، أو منديل، أو صليب خشبي كتميمة لتطرد به الأرواح الشريرة؛ فهذه الأمور لا تقدر أن تحفظك.
الرب يسوع المسيح قد أكمل كل العمل اللازم لكي يكون لنا شركة مع الله، ودورنا الوحيد هو أن نؤمن (متى 11: 28-30). أن نؤمن أنّه لأجل المسيح، يغفر لنا الله تمرّدنا عليه ويهبنا القدرة أن نحيا حياة ترضيه. هذا كل ما يُطلب منا: الإيمان. إنه أمر بسيط حتى إنّه يبدو وكأنّه لا يكفي، لذلك نحاول نحن أن نضيف عناصر أخرى.
والعبادة في المسيحية ليست مجرد ما يحدث عند اجتماعنا يوم الأحد أو في الاجتماعات الأسبوعية، بل العبادة المسيحية هي أسلوب الحياة اليومية (رومية 12: 1). الطريقة التي نفكر ونتكلم ونتصرف بها في العمل، في الشارع، في بيوتنا، وفي خلواتنا (كولوسي 3: 17) – فالله حاضر في كل مكان، لذلك ينبغي أن يكون في كل وقت معبودًا، وأن تُخضع حياتنا له.
إن قصد الله لنا أن نحيا لنرضيه في كل ما نفعل – «فإن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كل شيء لمجد الله» (1 كورنثوس 10: 31). وليس هذا كثيرًا عليه، بالنظر إلى ما صنعه من أجلنا.
أنت حر
إنّ نظرتك إلى الله مغلوطة. فالله القدير ليس “أقوى من إبليس” بمعنى أنّ هناك مقارنة أو صراع متكافئ بينهما. لا! فهما ليسا ندّين يتنازعان السيادة. أنت تعلم أن إبليس مخلوق، فكيف تظن أن ما خلقه الله يمكن أن يتغلب عليه أو يقاومه؟ الله لا يخوض معركة مستمرة ليمنع الشيطان من إيذائك، بل إنك كمؤمن قد انتُشلت من سلطان الخطية والظلمة (كولوسي 1: 22). كانت قوة الظلمة تكمن في أنّها أعمتك عن طلب الله وأمسكتك أسيرًا (أفسس 2: 1-8)، فكان إبليس يستخدمك أداة للشر. أمّا الآن فقد دُحر إبليس وقوته إلى الأبد؛ ولا يبقى له سلطان إلا على مَن هم في مملكة الظلمة، أي الذين ما زالوا يعصون الله.
لقد تحقّق هذا النصر حين دفع المسيح ثمن خطاياك – أي الموت – لله على الصليب. لقد أنقذك الله من غضبه، بفضل نعمته، بواسطة المسيح. فأمانك الكامل هو في إله السماء الذي ينظر إليك برحمة لأن دم يسوع المسيح قد غسل خطاياك التي كانت ستُهلك نفسك. فإذا خضعت لله، فخلاصك مضمون إلى الأبد، وحياتك على الأرض في يده لمجده.
اطلب الله لذاته
قال الرب يسوع:
«لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء: إنّها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟ ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة؟… لكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم» (متى 6: 25-33).
هذا النص لا يعني أبدًا أن الله سيجعلك غنيًا إن عبدته، بل يعلّمك ألا تقلق بشأن احتياجاتك، لأن الله يعلمها ويكفيك. فهل ينقصك طعام أو كساء أو مأوى؟
إذن، لا تدع رغباتك تشتتك عن إرضاء الله، ولا تعبده لتنال ما تريد. الطاعة لا تشتري رضا الله، لأننا عبيد غير مستحقين (لوقا 17: 7-10).
الصلاة خضوع
المسيح يعلّمنا أن الآب يعلم ما نحتاجه (متى 6: 32)، لكنه مع ذلك يأمرنا أن نطلب. فالصلاة اعتراف بأننا لا نتكل على قوتنا. المسيح – مع أنه الله – أعطانا مثالًا بالصلاة والسؤال، لا بالأمر والتصريح. أما ممارسات “التصريح، التوكيد، إعلان السلطان” وما شابهها، فهي في جوهرها اعتماد على النفس، لا خضوع لله. أما الصلاة الحقيقية فهي طلب، تضرّع، والاتكال على رحمة الله.
الغاية الأسمى لحياتك
ما هو الهدف النهائي لحياتك؟ أهو الراحة الزمنية، أم الأبدية مع الله في قداسة كاملة؟ الكتاب المقدس يقول: «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كولوسي 3: 1-2).
حياتنا على الأرض قصيرة جدًا، أما حياتنا الحقيقية فهي في الأبدية. لذلك من الغباء أن نركز على ما سيفنى ونهمل ما سيدوم.
المسيحية الحقيقية لا تتمحور حول ما نملكه أو نفتقده هنا، بل حول أن نكون مستقيمين أمام الله، عائشين له، متهيئين للأبدية معه. «وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله الآب به» (كولوسي 3: 17).
خاتمة
أريدك أن تدرك أنّ المسيحية الحقيقية تجعل الله العلي هو المحور، لا ذاتك. حياتك الأرضية هي أقصر جزء من وجودك، وما بعد الموت هو الأهم. والمسيحي الحق هو من وضع إيمانه بالمسيح لينقذه من خطية تُهلكه، ويحيا حياة جديدة مركزها المسيح، وغايته أن يكون معه إلى الأبد بلا خطية.
هل تقدر أن تقول إنّ هذا حق فيك؟