هذا هو الجزء الثاني من تأملاتي حول ما هي النميمة وكيف يمكن للكنيسة أن تتعامل معها ومع النمام بحسب الكتاب المقدس. يمكنكم الرجوع إلى الجزء الأول هنا.
النميمة خطية مؤذية بعمق، قد أدانها الكتاب المقدس مرارًا. وهي تتضمن إطلاق أقوال كاذبة أو خبيثة بقصد الإضرار بسمعة الآخرين. هذا السلوك يتعارض مع روح الإنجيل، ويقوّض المحبة والوحدة في الكنيسة، وغالبًا ما ينبع من قلب مملوء بالشر (لاويين 19:16، مزمور 101:5، أفسس 4:31).
وربما تحدث النميمة أحيانًا عن غير قصد، إلا أن آثارها مدمّرة، إذ تُحدث انقسامات وفقدان ثقة داخل جماعة المؤمنين. أما النميمة الخبيثة المتعمّدة فتُظهر رغبة مقصودة في إلحاق الأذى، منتهكة وصية الله في المحبة والصدق.
فماذا على الكنيسة أن تفعل إذا وُجد هذا الشر في وسطها؟
أولًا: كلمة إلى النمّام
أما ترى فساد قلبك؟ أما تدرك أن هذا شر عظيم؟ أما تعلم أنه بدون رؤية الخطيئة لا يمكن أن يكون هناك توبة؟ يقول واطسن: «ينبغي للإنسان أولًا أن يدرك ما هي خطيته، ويعرف داء قلبه قبل أن ينحني باتضاع أمام الله بسببها». فلماذا لا ترى الشر الكامن هنا؟ ولماذا تستخف به؟
ولماذا لا تعترف بخطيتك؟ قد تكون أقريت أن «بعض الناس قالوا إنك اغتبتهم». ولكن هل، بحسب فكر المطهّرين (Puritans)، اتهمت نفسك كما فعل داود (2 صموئيل 24:17)؟ قال واطسن: «الخاطئ المتواضع لا يكتفي باتهام نفسه، بل كأنه يجلس على مقعد القضاء ويحكم عليها». هل حدث هذا معك؟ لماذا لا ترى أن ما فعلته أمر مشين ومؤلم أمام الله؟
الاعتراف يعني أن تقول عن خطيتك كما قال عنها الله. حتى أوريجانوس قال: «الاعتراف هو تقيؤ النفس». فهل حدث هذا؟
يقول يوحنا الأولى 3:8: «من يفعل الخطيئة فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ. لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس». هذه هي ثقتنا، أن المسيح جاء لينقض أعمال إبليس. يمكنك أن تأتي إليه؛ جاء ليخلّص الخطاة. ولكن لا بد أن تأتي معترفًا بخطاياك، معترفًا بلا دفاع قائلًا: «يا رب، أنا نمّام، ونميمتي ليست سوى انعكاس للكراهية التي تسكن في داخلي». المسيح قادر، بل مسرور أن يطهّرك من كل خطية.
ومع ذلك، بما أن النميمة خطية تسلب الناس أصدقاءهم واسمهم الحسن وثقة مجتمعهم، فلابد أن تصحب التوبة بردّ اعتبار. لقد فعل زكا ذلك (لوقا 19:8)، وعليك أن تفعل مثله. ينبغي أن يكون هناك اعتراف علني وتصحيح للسجل، بإعلان الحقائق كما هي، وبأسلوب صادق غير مكره، لتصحيح الضرر. الهدف هو إعادة السمعة التي سلبتها، وردّ المظلمة علنًا.
لكن احذر التوبة المزيّفة. إذ بعد أن تماديت طويلًا في هذه الخطيئة وأُمسكت الآن، قد تظن أن الضيق الذي تشعر به هو التوبة. قال واطسن: «لو كان الألم والضيق كافيين للتوبة، لكان الهالكون في الجحيم هم الأكثر توبة، لأنهم في أعظم ضيق». مجرد القلق من الخطية ليس دليلًا على صلاح القلب. المطلوب هو إماتة الخطيئة.
إن كنت قد أمسكت بخطيئتك والآن تنظر إلى دم المسيح لطلب الرحمة، فهذا حسن. لكن ما دام لا يوجد بعدُ أي دليل على بغضك الحقيقي للنميمة، فلماذا تسرع إلى تعزية نفسك؟ انتظر أن يكون الله هو الذي يمنحك السلام، بأن يملأك بالخزي من خطاياك.
كلمة خاصة إلى الراعي الساقط في النميمة
ألا ترى أن 1 تيموثاوس 3:2 يصف أن يكون الأسقف بلا لوم؟ بينما تُلطّخ سمعتك إساءات عظيمة. ألا ترى أن نميمتك الشريرة، التي تكشف عن قلب مملوء بالبغضة والانقسام لا باللطف والسلام، تتعارض مع 1 تيموثاوس 3:3؟ يقول تيطس 1:8 إن الراعي يجب أن يكون بارًا، مقدسًا، منضبطًا. أما النميمة فتناقض ذلك. لذلك فلابد أن يُمنح وقت لإظهار برهان التوبة، وأن يشمل هذا التنحي عن المنصب الرعوي، أمر مؤسف لكنه واضح.
ثانيًا: دليل عملي للكنيسة التي هزّها النمّام
-
التحقيق الأمين في الأمر (1 تيموثاوس 5:19)، بمشاركة شيوخ آخرين من الكنيسة المحلية أو كنائس أخرى أو مجلس خارجي.
-
التواصل بشفافية مع الجماعة لتجنّب القيل والقال والانقسام.
-
إدراك أن القضية ليست مجرد غفران شخصي، بل تتعلق بتطهير الجماعة كلها من «الخَمير العتيق» (1 كورنثوس 5:6–7).
-
إدراك أن سمعة الكنيسة ورسالتها أمام العالم على المحك (متى 5:14–16).
-
إدراك أن النميمة تزرع الخصام وتفصل الأصدقاء (أمثال 16:28).
-
إدراك أن الكنيسة في محكّ: من هو «مُكدر إسرائيل» (1 ملوك 18:17-18)؟ ليس المظلومون، بل الراعي الذي نمّ.
إظهار المحبة بالانضباط
على الكنيسة أن تثبت محبتها للراعي حتى وهو في الخطيئة، وذلك بإظهار الحق. فالكتاب يقول: «التوبيخ الظاهر خير من المحبة المستترة» (أمثال 27:5-6). ناثان وبّخ داود لأنه أحبه. والروح القدس يوبّخنا لأنه يحبنا. و1 تيموثاوس 5:20 يقول: «أما الذين يخطئون (من القادة)، فوبّخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف».
إن فضح خطية علنية وخطيرة مثل النميمة عند الراعي يستوجب المساءلة، والمساءلة هنا هي التنحي عن المنصب. هذا ليس عقابًا بل طاعة لمعايير الله، ومن أجل استعادة صحة الراعي الروحية وسلامة جسد المسيح.
النميمة خطية خطيرة للغاية، وبالأخص حين تُوجد عند قادة الكنيسة، لأنها تناقض مؤهلات الرعاية الكتابية. ولأنها كثيرًا ما تصبح «خطيئة محبوبة» متجذرة في القلب، فهي تحتاج إلى توبة عميقة وإماتة حقيقية للخطية.
وعليه، يجب أن تستجيب الكنيسة بحزم وحكمة حين يظهر هذا الشر، وبالأخص داخل القيادة. على النمّامين أن يعترفوا بخطاياهم، ويصنعوا ردّ اعتبار، ويتخذوا خطوات عملية لاستعادة ما أفسدوه. أما الرعاة الذين يثبت سقوطهم في النميمة، فعليهم أن يتنحوا من مناصبهم، حفاظًا على نزاهة الكنيسة وكرامة المسيح، ولأجل خلاص نفوسهم أيضًا.